السبت، أكتوبر 25، 2008

الفصل الرابع من رواية المدينة التائهة

عندما فتح الخدم أبواب مكان العجائب -هكذا تسميه- تأملت (علياء) بطرف عينيها العسليتين وجه (تيسير) المليء بالبثور، لم تفلح في قمع الابتسامة الظافرة لرؤيتها الحسرة والكآبة تتراقصان على وجه (تيسير).. لطالما شعرت بالنيران المستعرة داخل صدرها لجمالها الطاغي، كانت تعمل نادلة لتوفير النفقات الباهظة للدراسة؛ فالتعليم سينقلها نقلة كبيرة وسيتغير وضعها المالي، كانت تجلس كل يوم في المطعم الذي تعمل فيه وتُغرق في إصدار الأوامر لإذلالها.. كثيرًا ما تتعمد طرح سؤال عن ارتدائها لنفس الفستان طوال العام ، يصفر وجهها وتطرق رأسها خجلًا، تصفعها الاستنكارات بعد رحيلها لتعمدها إحراجها، ببرود وصلافة تصعر خدها ولا ترد. علمت (علياء) من إحدى صديقاتها بزواج (تيسير) من أحد كبار رجال الدولة في بلاد ما وراء الجبل، ضحكت ضحكة مجلجلة، وقالت بسخرية. - بالطبع تزوجها من أجل التملق لأبيها ومن أجل أموالها، فهذا الوجه القبيح لا يستحق سوى البصق عليه. دعتها للعشاء بالضيعة، أسرعت (تيسير) بتلبية الدعوة لترى ما آلت إليه (علياء)، يقولون أن أنيابها سنت، ستنزعهم فزوجها أخبرها أنهم يسعون لاستعادة الضيعة باعتبارها جزءًا منهم. " يبدو أنك من كسرت يا (تيسير)، كيف لم تسعي للإيقاع بـ(قاهر)؟" أشارت (علياء) لصندوق زجاجي ضخم تسبح داخله سمكة وجهها كوجه الخنزير وقالت بتعجرف: - أنها تدعى الأطم، من عجائب بحر الصين. - قالت (تيسير) بمرارة ودهشة: - أذهبت للصين؟. أجابتها بلا مبالاة: - نعم عدة مرات. - وأشارت لصندوق آخر قائلة. - أما هذا النوع من السمك فهو من عجائب بحر الهند، يدعى الكوسج، وهو كالأسد في الماء إذا أدرك سمكة كبيرة قطعها. وأشارت لقفص حديدي يتقافز داخله نسناس، له أجنحة كأجنحة الخنافس من أصل الأذن إلى الذنب، وقالت: - إنه من جزيرة راتج في حدود الصين أقصى بلاد الهند. وأشارت لقفص حديدي بداخله إنسان، من وسطه إلى أسفله بدن امرأة، ومن وسطه إلى فوقه بدنان مفترقان تبدو آثار الحزن على الوجهين المتقابلين، ثم أشارت لدجاجتين إحداهما برأسين والأخرى بأربعة أرجل، ابتسمت (تيسير) وقالت: - أنت تعشقين كل غريب حتى في الغرام، اخترت أقبح شبان الجامعة، تزوجته من أجل ماله أليس كذلك؟، يقولون إن بلادنا تنظر إلى ضيعتكم على أنها جزءًا منها ويسعون لضمها. ابتسمت (علياء) بخبث، وقالت ببرود وسخرية: - أما عن القبح فكثيرًا ما وجد أصحابه من يتزوجهم من أجل مال أو سلطة والد، وبالنسبة للضيعة فلن يستطيع أحد أخذها، أرأيت المدافع المتناثرة على الشاطئ. طالبت (تيسير) بالطعام فالجوع يمزقها، ثم رحلت بعد الانتهاء منه لاعنة في سرها (علياء)، وأقسمت على عدم العودة لهذا المكان مرة أخرى.