الأحد، يوليو 27، 2008
الفصل الثالث من رواية المدينة التائهة
اغتسل، دعك جسده بقوة لمحو آثار اللقاء، وضع يده علي الحائط وطأطأ رأسه لاحت له ليله الأمس... عندما وصل للهزة وارتعش بدأ يسترد عقله، شعر بالخطأ يحيط به، يخنقه , مكث لحظات في فراشه يتطلع للسقف في حيرة وحزن, ثم نهض وألقي نظرة ألم علي جسد (علياء) العاري.. لم يتحمل شعوره بالخطأ شعر برغبته في نسيان ما حدث ذهب لغرفة مكتبه واحتسى زجاجة خمر أعادت لذاكرته ذكرى والدته التي تؤرقه، تذكر ما حدث مع (علياء) شعر برغبة عارمة في إذلالها، أيقظها، بصوت ناعس سألت عن سبب إيقاظها في هذه الساعة، طلب مضاجعتها في دبرها، استنكرت، صمم، وافقت إرضاء له، يشعر وكأنها عاهرة، لا يشعر بالعاطفة، وكأنه يفاوض على سلعة، أنتهي من استحمامه ووضع جسده في الروب الحريري، ذهب لغرفته لإرتداء ملابسه, استقبلته (علياء) التي لم تغادر الفراش بابتسامة, سألته عن وجهته , لم يرد, لم يطق النظر في وجهها، ارتدى ملابسه في عجالة، أمر السائق بتجهيز العربة، شعر بأنفاس والدته تغرق المكان، سعل، قطع أروقة القصر في سرعة، دخل العربة، أغلق الباب، شد السائق اللجام برفق، تحركت الجياد بتؤدة منكسة رؤوسها، لن ينسى أبدًا ذلك اليوم، ما دار بداخله، كل خلجة، كل حرف .. بدأ الأمر ببرقية تخبره بوفاة والده، حزن، أخبر (علياء)، صارحته بحملها، أقنعته بعدم أهمية التعليم، هو يملك الكثير من الأموال وأمواله بحاجة لرعايته، تزوجها، عاد للضيعة، شعر بتبرم والدته من وجوده، كذب حدسه..أثناء جلوسه في غرفة المكتب طرقت إحدى الخادمات الباب برفق، دخلت متسللة، أخبرته أنها صديقة (وفاء) وأن (وفاء) عشيقة والده ماتت الأسبوع الماضي، كانت تشعر بقرب نهايتها، وجدوا السيد (التلاوي) متوفىً في تلك الغرفة جالسًا على مكتبه، كانت تشك أن الملاحظ قتل السيد لاكتشافه سرقاته.. لم يصدقها (قاهر) ,و قرر مراجعة الكشوف، وجد بها تلاعبًا لم يحاول إخفاءه وكأنه يعتقد أنه أبله ولن يكتشف الأمر، لم يكتشفه فعلًا لولا الخادمة، استشاط (قاهر)غضبًا، حمل سلاحه، واصطحب معه حارسين لحمايته من غدر الملاحظ ... طرق باب منزل الملاحظ بقوة، خرج (الملاحظ) مرتبكًا وهو يرتدي سترته، هم (قاهر) بالدخول فمنعه الملاحظ , أزاحه (قاهر) بعنف، ودخل رغم محاولة الملاحظ المستميتة في منعه من الدخول، اقتحم غرفة نومه، اصطدم بوالدته عارية، تسمر (قاهر) من هول المفاجأة، حاولت (نجوي) ستر نفسها بيدها، أمرها بارتداء ملابسها والذهاب للقصر.. أمر الحارسين بقتل الملاحظ، خنقاه، وبمجرد تركهما الجسد أطلق عليهما النار مدعيًا أنه ضبطهما يقتلان الملاحظ الذي اكتشف سرقاته وذهب لكي يحاسبه، يبدو أنهما شريكاه في السرقة واختلفوا.
بعد ثلاثة أشهر من حبسه لـ(نجوي) ومنع الرجال من الاقتراب من غرفتها استبدت بها الرغبة، لم تفلح محاولاتها في المقاومة، حاولت الاعتداء علي (قاهر), تمكنت من نزع سرواله، أفلت من بين يديها بصعوبة.. أعد وليمة ضخمة له ولوالدته فقط.
- ستأخذين حريتك.
انتهيا من تناول الطعام، جلسا أمام المدفأة، سرى السم بجسدها، شعرت بأحشائها تتمزق، أمسكت معدتها، صرخت، أفرغت ما في جوفها، ابتسمت:
- قتلتني، كنت أتوقع هذا، أريد أن أقص عليك قصتي فاسمعها للنهاية ولا تقاطعني.. بصعوبة وبعد العديد من الوسائط لوصف جمالنا تمكنت وخالتك من العمل خادمتين في قصر الإمبراطور (أنتروفك)، كان مولعًا بالنساء، عاشرني وعاشر خالتك، أحيانًا كان يجمعنا على فراش واحد، عشقت الجنس، كنت أمارسه كل ليلة، وأحيانًا أكثر من مرة مع أكثر من رجل، جميع الخدم في قصرك عاشروني، منهم من فعلها مرة، ومنهم من فعلها مرات.. حاولت إغواء (التلاوي)، رفض وأخبرني أنه لا يشارك سيده في شيء، حملنا من الإمبراطور، أخفينا الأمر، كنا نخشى بطش (زارونكي)، عندما علم زوجني (التلاوي) وزوج خالتك (راغب)، أهدانا مناصفة خمسة عشر آلاف فدان وسفينتين كبيرتين، حتى الآن لا أعلم لماذا فعل هذا؟ ظل والدك يستولي على القطعة تلو الأخرى حتى وصلت عشرة آلاف فدان، لم تجد (عزيزة) بدًّا من بناء سور ضخم يتوسطه بوابة ضخمة يفصل بيننا وبينهم، أقسمت على الوفاء له، لم يقربني، حاولت إغواءه، تارة بحرارة وتارة أخرى ببرود، لم يحرك ساكنًا، اعتقدت أنه عاجز حتى رأيته يعاشر الخادمة، سألته: لماذا تذهب للأخريات؟أجاب ببرود: لا أشارك سيدي في ملكه. نشأت بيني وبين الملاحظ علاقة.. أخبرني (التلاوي) أن الملاحظ يسرقه. لا أدري أكان يعلم بعلاقتنا أم لا؟، أخبرت الملاحظ واتفقنا على قتله، خنقناه في مكتبه، ثم قتلنا الخادمة التي فضلها عليَّ.. في البداية عندما حضرنا إلى هنا قطنَّا في منزل نائب (زارونكي) الذي غادر الضيعة بالطبع، كان أهل الضيعة يملكون المنازل فقط، كان يستأجرهم للعمل في الأرض بأثمان بخسة، ثم يبيعهم الغلال بأثمان باهظة، تراكمت عليهم الديون، تملك منازلهم وأصبحت الضيعة كلها ملكًا له.. أنشأ القصر بعدما فرغ من بيع الحبوب التي أنتجتها الأرض، اشترى الكثير من المدافع الضخمة ووجهها نحو البحر والجبل.. ضاق الناس ذرعًا، أثناء انتقال الكثير منهم للجانب الآخر ساد الهرج والمرج، أبحروا نحو البحر، أطلق الحرس الخاص لـ(التلاوي) النار، لم يقتلوا الكثير، اضطر بالرغم من شحه إلى الاستعانة بالكثير من المراقبين والحرس، أصبحت عملية الانتقال تتم تحت حراسة مشددة، قَل الفلاحون، اتفق مع بعض العصابات على خطف الكثير من الناس مقابل مبالغ طائلة.. أخبرني يا (قاهر) هل تعشقك (علياء)؟ لا أعتقد؛ فأنت بدين قبيح كوالدك، هي تعشق مالك.. كنت تعاشرها قبل الزواج، أليس كذلك؟ من ذا الذي أدراك أنها لم تعاشر غيرك،، وأن الطفل الذي بداخلها هو ابنك؟.
أفرغ ما في جوفه، أفرغت ما في جوفها للمرة السادسة، وسكت اللسان عن التحدث.. بصق على جسدها الساكن الغارق في القيء، وقال بغيظ:
- سأقتل كل من وضع يده عليك أيتها العاهرة.
أمر (قاهر) بإخراج جميع الخدم خارج القصر وتقييدهم.
- وضعوا السم في الطعام، ماتت السيدة (نجوى).. لولا جسدي القوي لكنت في عداد الأموات.
بصرامة سألهم عن واضع السم، تدفقت دموعهم في غزارة، لجمت ألسنتهم، فقدت أعصابهم السيطرة على نفسها، لم تقو أقدامهم على حمل أجسادهم المثقلة بالرعب، زحفوا، أحذية المراقبين الغليظة ضغطت على رقابهم، فتحوا أفواههم عنوة، قطع ألسنتهم واحدًا تلو الآخر.. انتشى لمرآته عيونهم المذعورة المحدقة بالمسدس المصوب نحوهم، متابعتهم يده التي تداعب الزناد.. قصر العمل داخل القصر على النساء ماعدا الحديقة..لاح له أول لقاء بـ(علياء) ...تعلق بصره بالفتاة الجميلة التي تقبل عليه بابتسامة كبيرة، صافحتهما.
- (علياء).
- (قاهر).
- أنت تشبه الإمبراطور السابق (أنتروفك).
ابتسم (قاهر)، أشار صديقه ناحيته، قال:
- إنه من الأثرياء، يملكون عشرة آلاف فدان.
ارتفع حاجباها في دهشة، انخفض أحدهما وتبعه الآخر بعد قليل.
ترقرقت عيناه بالدموع وقال بمرارة:
- كل النساء عاهرات حتى أمي، بل هي زعيمة العاهرات.
عض شفته السفلى بمرارة، نظر يمينًا، اصطدم بها، أمر السائق بالتوقف، تأملها.. الملابس المهلهلة القذرة المصفرة باهتة الألوان، الوجه الأبيض المتسخ ذو العظام البارزة قليلًا، بقايا النور والبراءة المتراقصان عليه، الشعر الأحمر الملتصق بالجبهة الملبدة بالعرق والغبار، فمها الصغير، أنفها الدقيق، عيونها الواسعة، أشياء كثيرة تشي بأنها كانت تحمل يومًا الكثير من الجمال، تحتاج فقط للاستحمام واستبدال هذه الملابس لتعود لسيرتها الأولى.
عندما بنى الملحق في الفناء الخلفي للقصر سألت (علياء) عن سبب بنائه، أجاب: أبغي القليل من الراحة، اندهشت لعدم كفاية غرف القصر لراحته، يحتاج للراحة قليلًا بعيدًا عنهم، بعيدًا عن الجو المعبق بالأنفاس التي تذكره بالأحداث التي تؤرقه، أحيانًا يشم رائحة فم والدته، يراها تعاشر أحدهم وتنظر له في شماتة وتضحك بميوعة، يحتسى الخمر حتى يسقط في النوم ساعات طويلة، يفيق تحت وطأة الشواكيش الضخمة التي تطرق عقله بقوة.. لا تحب (علياء) إزعاجه، دائمًا تتركه يفعل ما يحلو له، يتمنى لو تتشاجر معه ولو لمرة واحدة، تسبه، تشعره أنها لا تتملق، أنها تحتمله حتى وفاته وبعدها تأخذ كل شيء.
"آه منكن أيتها الجميلات، أقسم أن المرأة التي تجمع القطن هناك عاهرة، خانت زوجها كثيرًا، يجب إذلالكن بمضاجعتي لها إذلالًا لها ولـ(علياء)"
استدعى الملاحظ، عاجله الملاحظ بحاجة العمل الشديدة لدفعة جديدة من الرجال بدلًا من الذين تم قتلهم لقمع عصيان الأسبوع الماضي.. قال (قاهر) بإعجاب دون أن يبعد نظره عن (صبرة):
- لقد استطاع (نافع) أن يخمده في لحظات.
سكت هنيهة ثم استطرد قائلًا:
- لقد عينته نائبًا لك.
امتقع وجه الملاحظ، وسقط قلبه بين قدميه، بحث سريعًا عن طريقة يقصي بها (نافع)عن طريقه فلم يجد.. قبض على عين (قاهر) المتعلقة بـ(صبره)، لمعت عيناه، المرة الأولى التي يراه يحملق في النساء، لماذا لا يعرض عليه إمكانية مساعدته في الحصول عليها؟ وبهذا يكسب نقطة عنده.. ابتسم الملاحظ ابتسامة لزجة وقال بخبث:
- أتريدها سيدي؟.
- اذهب بها للخدم لكي ينظفوها ثم ائتني بها في الملحق.
- كما تأمر يا سيدي، اذهب أنت واسترح وستأتي إليك راكعة.
ازدرد لعابه، أشار بيده محذرًا، وقال:
- إياك والتأخير.
بعد انصراف (قاهر)، اقترب الملاحظ من أذنها، وقال بصوت يشبه الفحيح:
- ابتسم لكِ الحظ، سيدي يريدك.
انتفضت (صبرة) واتسعت عيناها في ذعر، أمسك ذراعها بقوة، صرخت:
- (سليم) النجدة.
اندفعت الصرخات بسرعة تشق المسافة الضئيلة الفاصلة بينها وبين(سليم)، مزقت أذنه، انتصب، لم ير سوى يد الملاحظ المتشبثة بذراع زوجته ويجرجرها بعنف، امتقع وجهه، يؤمن بانتهاء الأمر، هرول في محاولة يائسة لنجدتها، مزق سوط الملاحظ وجهه، تدفقت الدماء الساخنة علي وجهه، تأوه، وضع يسراه على موضع الضربة، وتشبثت يمناه بزوجته، وهوى بقدمه الثائرة على صدر الملاحظ فسقط على الأرض يتلوى.. احتضنها، حاول عبثًا إيقاف دموعها، قبَّل جبينها، انتصب الملاحظ، نفض عن ملابسه الغبار، نادى المراقبين وأمرهم بتأديبه، التف المراقبين حول (سليم)، أشبعوه لكمًا وركلًا، خارت قواه وسقط على الأرض.. ألقى (سليم) على زوجته نظرة أخيرة بعين تقاوم الإغماء، مدَّ يده وكأنها ستمتد وتبعد عنها كل المخالب التي تحاول أن تنهشها.. حلقت روحه, استقلت آلة الزمن وضغطت علي أزرارها لتقله لقريته منذ عدة سنوات خلت.. وعد زوجته بنزهة فوق صهوات الجياد في الجنة الموجودة عند أطراف القرية..استيقظت مع شروق الشمس، غسلت وجهها، وأعدت إفطارهما، هزته، تمتم بكلمات غير مفهومة حاولت عبثًا فك طلاسمها، ابتسمت وعاودت الكرة، بصوت ناعس توسل أن تتركه ينام ولو لساعة أخرى، توسلت، أرغمت عينيها على سكب بعض الدموع، استيقظ على مضض تحت وطأة أصابعها التي لعبت بقوة على أوتار قلبه.. أعدت طعامًا وشرابًا يكفيهما يومًا بأكمله، أعدَّ الجياد وخرج من حظيرته الملتصقة بظهر المنزل ساحبًا خلفه الجوادين، اجتاز حديقته الصغيرة، وانتظر قليلًا بالخارج ثم هتف في ضيق:
- هيا يا (صبرة)، ألا يكفيك إيقاظي في هذه الساعة المبكرة؟ لقد مللت الانتظار.
خرجت، أغلقت الباب خلفها وقالت مبتسمة:
- أتسمي الدقائق القليلة انتظار؟
أشاح بيده وغمغم ضاغطًا على أسنانه.
- أنا المخطئ من البداية.
عقدت حاجبيها ومالت بأذنها ناحيته مصطنعة عدم السماع وقالت:
- ماذا تقول؟.
بنفاد صبر قال:
- لا شيء.
ضحكت ضحكة مرحة أنعشت خلايا مخه المتكاسلة وقالت:
- لقد سمعتك.
احتوى وجهها بنظرة حنون، وابتسم قائلًا:
- ارحميني أرجوك.
نبهها لخلو الطريق من المارة، ابتسمت واصطنعت عدم السماع.. بمجرد وصولهم أصرت أن تقيم معه سباقًا، ساعدها على امتطاء الجواد، وكالمعتاد تعمد الخسارة، قالت بخبث:
- أتعرف ما الذي يعجبني فيك؟ تعمدك الخسارة كل مرة.
صاح مستنكرًا:
- فقط؟
ضحكت بميوعة وواصلت سيرها صوب المجرى الصغير المخترق المرعى، لحق بها، ساعدها على الهبوط، التصق بها، أزاحته برفق، نظر إليها بغيظ فأشاحت بوجهها بعيدًا.
- وإيقاظي في الصباح الباكر ألا يعجبك؟
جلست على الشاطئ وداعبت الماء بقدميها،، جلس بجوارها ووضع يده فوق كتفها، قال بخبث:
- أنا أنفذ لك جميع رغباتك.
ضحكت ولم تجب.. برز من العدم ثلة من الرجال ملثمين، أحاطوهم، انتفضت، التصقت بظهره، حاول أن يحتويها بيديه، أن يدمجها بجسده، نواياهم واضحة، لن يدعهم يمسوها، سيموت قبل أن يحدث هذا، أخرج ما معه من نقود، سيجعل العنف خطًّا أخيرًا، للدفاع، عرض النقود مقابل أن يتركوا زوجته ترحل، أخذها أحدهم بعنف، أمرهم زعيمهم بتقيدهما، استعد (سليم) للمعركة، اقترب منه أحدهم، صفعه، اشتبك معه، تكاثروا عليه، أشبعوه لكمًا وركلًا حتى فقد وعيه.. شيئًا فشيئًا عاد إليه وعيه مصحوبًا بصداع عنيف، تحسس بقايا الدماء المتخثرة المتناثرة على وجهه، عبثًا حاولت (صبره) إزالتها، بدهشة تفحص المكان الذي يشبه زنزانة كبيرة يتناثر فيها الرجال والنساء، رفع رأسه عن فخذ زوجته الجالسة ملاصقة للجدار، تأمل وجهها الملائكي النائم المشبع بالغبار والتعب وملامح أشياء حاول جاهدًا طردها من ذهنه، أيقظها، وتسأل.
- أين نحن؟.
- لا أدري، بعد أن قيدونا ووضعونا فوق جوادينا ساروا بنا مدة طويلة ثم ألقوا بنا في هذا المكان مع هؤلاء.
- هل لمسك أحدهم؟.
هزت رأسها نافية، تنفس الصعداء، اعتدل وجلس ملاصقًا لها، سألته عن مصيرهما، أجهشت بالبكاء عندما ابتلع كلماته وأطرق بتخاذل وخجل، احتضنها وربت على ظهرها برفق، قال بحزم:
- لا تخافي فأنا لن أصمت.
سكت هنيهة، طبع قبلة حنونة على جبهتها، وابتسم قائلًا:
- مهما حدث لنا فنحن معًا، وسنظل معًا، وسنخرج معًا..قريبًا.
لم يكن عرافًا، فلو علم الغيب لتمنى أن يقضي بقية عمره في هذا المكان أو افترقا لكيلا يرى ما سيحدث.. يزداد عدد المسجونين كل يوم.. يدخل أحدهم، يضع الفتات من الطعام ويخرج دون أن يروي العقول الظمأى لإجابة تطفئ النار المضرمة في الصدور، يلوك المسجونين الطعام الرديء دون شهية، فقدوا نصف أوزانهم، ونسوا طعم الطعام الحقيقي، أحيانًا يسقط أحدهم، يلتصق الآخرون بالجدار ويصرخون، يدخل الرجال ويحملونه للخارج.
في اليوم الأخير من الأسبوع الثاني لقدومهما أخرجوا الجميع معصبي العيون، خُلعت العصابات في عرض البحر، اختلفت أجساد الملثمين المدججين بالسلاح.
عندما علمت (علياء) بوجود (صبرة) في القصر، مزقها الغضب وأعدت نفسها للاشتباك مع (قاهر)، ذهبت إليه في الملحق وسألت بصرامة.
- منذ متى تعشق النساء؟.
كم تمنى أن تقف معه في هذا الموقف، أقسم على ترك الأمر لو اشتبكت معه، ببرود أجاب محاولًا إثارتها:
- منذ الآن؟.
استكانت وهدأت ملامحها، كتمت دموعها، ابتسمت، وانسحبت تاركة المكان في صمت.
***
سلمت (علياء) جسدها للخادمات، خلعن عنها ملابسها الرثة، غسلن جسدها بالصابون المعطر عدة مرات، نزعن الشعر المنتشر في الإبط والعانة، دعكن كعبيها جيدًا لإزالة القشف المتراكم هناك، نظفن شعرها الحريري الأحمر الغزير، مشطنه، ملئن المغطس بالعطر وأرقدوها فيه، ألبسنها قميصًا أسود حريريًّا عاري الأكتاف، يكشف الساقين المرمريين، اهتاج (قاهر) عندما رأى حلمات (علياء) البارزة، صدرها النافر، احتضنها، قبلها بشبق، حاولت المقاومة، رفضت ذراعها تنفيذ الأوامر، داعبها، اعتلاها، تشعر وكأن عقلها اشترك معهم في الجريمة، لم تقتصر على التسليم، لقد مزقتها الرغبة و قبلته، داعبته كثيرًا، لقد أتت من الحركات ما لم تأته مع (سليم)، حاولت أن تقنع نفسها أن عقلها خشي مضايقة السيد فهي تتذكر تحذيرات الملاحظ بعدم مضايقته، الفراش الوثير الذي شعرت أنها تغوص بداخله أرغم جسدها على إفراز الخدر.
لملمت بقاياها المحطمة في صمت دون أن تجرؤ على إظهار الألم لكي لا تعكر مزاج (قاهر)، خرجت يعلو وجهها ابتسامة جامدة، حل محلها أشباح الدموع عندما تجاوزت الغرفة تاركة (قاهر) خلفها مستلقيًا على فراشه غارقًا في بحور الارتياح.
***
جلست (علياء) بجوار (سليم) على الفراش المكون من كتلة مستطيلة من الطين موضوع فوقها كمية من سعف النخيل المغطى بخرق بالية.. بللت قطعة قماش قذرة، وحاولت عبثًا أن تزيل الدماء من فوق وجهه، قالت بصوت مختنق وهي تصارع الدموع لكيلا تهرب خارجة من مقلتيها.
- لا تؤاخذني، لم يكن بيدي شيئ.
انسابت دموع (سليم) في صمت واحتضنها بقوة، تدفقت دموعها بغزارة، ولم يكن يشق سكون الليل سوى نحيبهما حتى أرهقهما البكاء فناما، وأصبح نهارًا
يعمل......
ويعمل......
ويعمل...........
حتى تخور قواه، وفي الليل يولي زوجته ظهره لعل العمل والزمان يدملان جراحهما.
***
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
هناك 19 تعليقًا:
تسجيل متابعة لدسامة الفصل
ولى عودة معه.
خالص تحياتى؛
مذكرات كشكول المورق
انا عندي علي الايميل ثلاثة تعليقات وجدتهم لك ووجدت علي المدونة تعليقا واحدا فما الذي حدث
لو لك اي انتقاد للقصه ارجو انتقادي بالتفصيل لأني اهتم لرأيك كثيرا
مذكرات كشكول الورق
انا اكتشفت ان التعليقات دي علي بوستات اخري
انا بعتمد علي سرعة الاحداث والقفزات الزمنيه
اما بالنسبة لبداية الفصل الثاني فهو ما يعرف بتشظي الذات فقد انقسمت روح عباس لروح متمرده وروح خانعة وتمكنت المتمرده من السيطرة عليه في النهاية
شكرا لرأيك
في إطلالتي الأولى على مدونتك لفت انتباهي شيئ هام ألا وهو حرصك الشديد على الابتعاد عن المجاملة ولكم أسعدني هذا ...
فقط أستميحك العذر أن أجول في مدونتك وبإذن المولى سأعود بتعليق إيجابي قدر الإمكان ...
تحياتي الخالصة
د/محمد دسوقي
بانتظار تعليقك علي احر من الجمر
فى البداية حسيت انه شاذ لكن لما تابعت لاقيت القصر كله عنده بيمارس الجنس ومع اى حد فى اى وقت لما واصلت اكتر لاقيت انى مش ينفع اكون راى غير لما اتابع نهاية القصة
تحياتى
اول مرة ادخل المدون دي ومن غير مجاملات انا اعجبت اوي بالقصة بتاعتك و بس كنت عايزة اسألك سؤال:انت مش بتخاف على القصص بتاعتك حد يسرقها؟
بمعنى اية مدى الحماية اللي بتتمتع بيها القصص في المدونة؟
Desert cat
ياريت تقولي رأيك حتي في احداث الفصل ده
يوميات نائمه في الارياف
شكرا لرأيك شكرا جزيلا
بصراحة ليس هذا رواية بل هي مجرد حكايات
لا تغضب
انت قلت ممنوع دخول المجاملين
صح
عفاف فاضل
طبعا انتي حره تماما في رأيك
شكرا لمتابعتك ورأيك
الاول بجد بجد بجد بجد كفاية كده ولا كمان نفسى امسكها فى كتاب
انا قريت ال3 فصول ورا بعض وبدأت اكون فكرة عن الشخصيات ونفسياتهم واعرف التواريخ والانساب وان كان التوهان والاتجاه الحيوانى السائد فى العلاقات كفيل انه يلخبط احسن مخ مركز دايما الحكام فى روايتك بيمنطقوا اسباب القتل اللى حيعلنوا عنها للجمهور خاقان يقتلهم فى مبارزة الحراس اللى قتلوا الملاحظ بدعوى الاشتراك معه الخدم بدعوى وضع السم فيها ذكاء اوى الاسباب دى واعتقد ان المبررات للقتل غير مقتصرة على المدينة التائهة فى مدننا كتير منها برضه مبسوطة انى فهمت وان فيه فكرة مبدأية فى دماغى ومتشوقة بجد انى اكملها
سلام
كلام وخلاص
انا سعيد جدا برأيك
معلش انا حاولت اجعل القارئ يعيش نفس حالة التوهان التي تعيشها شخصيات الروايه
طيب
جميل جدا بساطة اللغة عندك لأنك كنت سألتني عن رأيي في اللغة بتاعتك
هي لغة بسيطة من غير تكلف او فزلكة وبتعرف ازاي تختارالفاظ تناسب الشخصيات اللي بتتكلم بيها
بس انا برضة بالنسبة للموضوعات اللي بتختارها للقصص بتاعتك مش بيعجبني انك ممكن تتكلم عن مواقف خارجة على الاقل من وجهة نظري وانت مش بتحب المجاملة انا مش بحب الكلام في المواضيع دي ولما بتكون في رواية او قصة بعمل نفسي مش واخدة بالي منها بس برضة بتدايقني اوي
تحياتي ليك وللامام دايما
يوميات نائمة في الارياف
اولا شكرا لرأيك
ثانيا انتي تقصدين المشاهد الجنسية انا كتبت المشاهد دي بشكل عفوي ومكنتش فاكر انها هتطلع كده ومكنتش فاكر اني هاكتب جنس اصلا
عموما المسائل دي موجوده في حياتنا هنعمل ايه
شكرا لرأيك
ازيك يا محمد
المرة دى احداث متلاحقة بشكل هايل
وكتيرة
ومشاعر متباينة تخلينا نلهث ورائها
متهيألى يا محمد انك انت نفسك بتجرى مع الاحداث اللى بتكتبها مش بتقدر تقف او يمكن الاحداث هى اللى بتجرى قدامك ويمكن دة من اهم ما يميزك
دة غير كلماتك المميزة جدا
بس المشكلة فعلا ان فى لحظات بتضيع او انا بتوة فيها ودة بسبب القفزات المتلاحقة للاحداث والشخصيات
المجمل طبعا انت عارف رأيى
انت قلمك جميل
احترامى
احلام اليقظه
الله يخليكي
اسعدني رأيك كثيرا
اكيد السبب هو القفزات الزمنيه
شكرا لأهتمامك
العزيز محمد
الرواية إلى الآن تحمل مقاليد التشويق
هناك تكثيف في الأحداث
و اللقطات السريعة للإنتقال ..
و و مداخل الشخصيات وبداياتها ..
كل ذلك برعت فيها ..
...
محمد متابعة معاك ..
بس أنا بحب يبقى اكتر من جزء ورا بعض ..
دمت بكل خير ..
د/اسماء علي
انا سعيد جدا برأيك وان شاء الله تقرأي الرواية كامله
شكرا لك
إرسال تعليق